يُعد الاستثمار في المواهب أحد أهم مفاتيح النجاح. لكن المفارقة تكمن في أن العديد من الكفاءات والمواهب تبقى غير مكتشفة أو غير مُستثمرة بالشكل
الصحيح، إما لأن أصحابها لا يدركون قيمتهم الحقيقية، أو لأن المؤسسات تغفل عن التعرف عليهم. هذا الفقدان للكفاءات يعد خسارة كبيرة على المستويين
الفردي والمؤسسي، ويطرح سؤالًا جوهريًا: كيف يمكن اكتشاف المواهب الكامنة التي لا تدرك قيمتها؟
الكفاءة الغائبة: لماذا لا يدرك البعض موهبتهم؟
العديد من الأشخاص يمتلكون مهارات وقدرات مميزة، لكنهم لا يدركون قيمتها الحقيقية. هناك عدة أسباب وراء ذلك:
- ضعف الثقة بالنفس: قد يفتقر البعض إلى الثقة في أنفسهم، ما يجعلهم يعتقدون أن ما يمتلكونه من مهارات أمر عادي وغير جدير بالاهتمام.
- البيئة غير الداعمة: البيئة التي لا تُقدّر الإبداع ولا تُشجع على التعبير عن الأفكار تعيق اكتشاف المواهب.
- التركيز على نقاط الضعف: كثيرًا ما يتم تسليط الضوء على نقاط الضعف بدلًا من تطوير نقاط القوة، ما يؤدي إلى تهميش المهارات الحقيقية.
- عدم وجود فرص للتجربة: بعض الأشخاص قد لا يكتشفون مهاراتهم إلا عند خوض تجارب جديدة تتطلب منهم استخدام تلك القدرات.
كيف يمكن اكتشاف الكفاءات غير المُدركة؟
للكشف عن المواهب التي لا يدرك أصحابها قيمتها، يمكن اتباع نهج يعتمد على التمكين والتوجيه والتحفيز.
- التقييم المستمر
التقييم الصحيح للأداء يساعد في الكشف عن المهارات المخفية. قد يُظهر أحد الموظفين براعة في إدارة الأزمات، أو قدرة على التواصل مع العملاء بشكل فعّال دون أن يكون ذلك جزءًا من دوره الأساسي. التقييم لا يجب أن يقتصر على الإنجازات الملموسة، بل ينبغي أن يشمل أيضًا السلوكيات والقدرات الشخصية. - خلق بيئة محفزة
بيئة العمل الداعمة تُعتبر عنصرًا أساسيًا لاكتشاف المواهب. توفير الفرص للتجربة، وإتاحة مساحة للتعبير عن الأفكار والمبادرات، يُساعد الأفراد على إظهار ما يمتلكونه من قدرات. - التوجيه والإرشاد
التوجيه الجيد يُمكن أن يُحدث تحولًا كبيرًا في حياة الأفراد. يحتاج الكثير من الأشخاص إلى من يوجههم ويساعدهم في التعرف على قدراتهم الحقيقية. القادة الذين يتمتعون برؤية ثاقبة هم من ينجحون في تحفيز الآخرين لاكتشاف إمكاناتهم الكامنة. - التشجيع على التعلم والتطوير
في كثير من الأحيان، لا يدرك الأفراد مهاراتهم إلا عندما يتعلمون شيئًا جديدًا. لذلك، يجب على المؤسسات تشجيع الموظفين على التطوير المستمر من خلال الدورات التدريبية، والمشاريع الجديدة، وفرص التعلم المختلفة.
قصص نجاح من الكفاءات المكتشفة
تاريخ الشركات الكبرى مليء بقصص لأفراد لم يدركوا إمكاناتهم إلا بعد أن حصلوا على التوجيه المناسب. من أمثلة ذلك قصص موظفين بدأوا في وظائف بسيطة، ثم أصبحوا قادة في مؤسساتهم بعد أن اكتشفوا مواهبهم وقدراتهم.
في عالم التكنولوجيا مثلًا، نجد العديد من المبرمجين الذين لم يحصلوا على تعليم رسمي في البرمجة، لكنهم طوروا مهاراتهم من خلال التجربة والعمل المستمر، وأصبحوا روادًا في المجال.
التوازن بين المهارة والفرصة
المواهب وحدها لا تكفي لتحقيق النجاح. الأمر يتطلب أيضًا وجود الفرصة المناسبة التي تُمكّن الشخص من استغلال مهاراته بالشكل الصحيح. لذلك،
على المؤسسات أن تخلق فرصًا عادلة ومتكافئة للجميع، وأن تبحث باستمرار عن الكفاءات في أماكن قد لا تكون واضحة.
نهاية القول
الكفاءة الغائبة ليست مجرد مشكلة فردية، بل هي تحدٍ مجتمعي واقتصادي كبير. اكتشاف المواهب المخفية يتطلب وعيًا وتفانيًا في التوجيه والتطوير.
من المهم أن يدرك كل فرد قيمته، وأن تعمل المؤسسات على تعزيز بيئة داعمة للكفاءات، حيث يُصبح الاستثمار في المواهب استراتيجية مستدامة لبناء مستقبل أكثر نجاحًا.