دور الحدس في اتخاذ القرارات

يُقال إن ستيف جوبز كان يتخذ بعض أهم قراراته بناءً على حدسه. وعندما سُئل عن سر نجاحه، أجاب: “علينا أن نثق بشيء ما – غرائزنا،

القدر، الحياة، الكارما، أياً كان”.

هذه الكلمات تفتح لنا نافذة على عالم مثير في صناعة القرارات الإدارية: عالم الحدس.

في عصرٍ يعج بالبيانات والتحليلات والمعادلات المعقدة، قد يبدو الحديث عن الحدس في اتخاذ القرارات أمراً غير منطقي. 

لكن الواقع يخبرنا قصة مختلفة.

ما هو الحدس؟

فالحدس ليس مجرد تخمين عشوائي، بل هو خلاصة خبرات متراكمة وتجارب عميقة، تتبلور في لحظة واحدة لتشكل رؤية واضحة.

يمكننا تشبيه الحدس بذلك الصوت الداخلي الهادئ الذي يهمس في آذاننا عندما نقف أمام قرار مصيري.

إنه ليس صوتاً عاطفياً محضاً، بل مزيج معقد من المعرفة الضمنية والخبرة العملية التي اكتسبناها عبر السنين.

فالمدير المخضرم الذي يقول “أشعر أن هذا القرار صائب” لا يتحدث من فراغ، بل يتحدث من موقع خبرة تراكمية عميقة.

لكن متى يكون الاعتماد على الحدس مناسباً في اتخاذ القرارات الإدارية؟

عندما نواجه مواقف غير مسبوقة، أو عندما تكون البيانات المتوفرة غير كافية، أو عندما نحتاج لاتخاذ قرار سريع في ظروف متغيرة.

في هذه الحالات، يصبح الحدس أداة قيمة تكمل التحليل المنطقي ولا تتعارض معه.

علاقة الحدس بالتحليل المنطقي؟

إن العلاقة بين الحدس والتحليل المنطقي أشبه بعلاقة الجناحين للطائر – كلاهما ضروري للتحليق.

فالمدير الحكيم لا يتجاهل البيانات والتحليلات، لكنه أيضاً لا يتجاهل ذلك الإحساس الداخلي القوي الذي قد يشير إلى اتجاه مختلف.

إنه يدمج بين الإثنين ليصل إلى قرارات أكثر توازناً وعمقاً.

من المهم أن ندرك أن الحدس يمكن تطويره وتنميته.

فكلما زادت خبراتنا، وتنوعت تجاربنا، وتعمقنا في فهم مجال عملنا، أصبح حدسنا أكثر دقة وموثوقية.

كما أن الممارسة المستمرة للتأمل الذاتي وتحليل نتائج قراراتنا السابقة تساعد في صقل هذه المهارة الثمينة.

الحدس سلاح ذو حدّين

لكن يجب أن نكون حذرين من الوقوع في فخ الاعتماد المفرط على الحدس.

فليست كل “مشاعر داخلية” حدساً حقيقياً، وليست كل قرارات حدسية صائبة.

الحدس الموثوق هو ذلك الذي يستند إلى خبرة حقيقية وفهم عميق للسياق، وليس مجرد رغبات أو مخاوف عابرة.

في عالم الأعمال المعاصر، نحتاج إلى مديرين يجمعون بين قوة التحليل المنطقي وحكمة الحدس.

مديرين يفهمون أن القرارات الكبرى لا تُتخذ فقط بالأرقام والمعادلات، بل أيضاً بتلك البصيرة العميقة التي تتشكل من سنوات الخبرة والتجربة.

فلنتذكر دائماً أن الحدس في الإدارة ليس بديلاً عن التحليل المنهجي، بل هو شريك له.

إنه تلك القدرة الفريدة التي تميز القادة العظام – القدرة على رؤية ما هو أبعد من الظاهر، وفهم ما هو أعمق من المرئي، واتخاذ قرارات تجمع بين الحكمة والشجاعة.