هل يحتاج الموظفون تدريبًا أم توجيهًا؟ الفرق يصنع كل شيء

في أروقة المنظمات، كثيرًا ما يُطرح سؤال متكرر عند ظهور فجوات الأداء أو ضعف المبادرة: هل نرسل الموظفين إلى دورة تدريبية؟
لكن القادة ذوي النظرة الاستراتيجية يدركون أن التدريب ليس دائمًا هو الحل.
فهناك فرق جوهري – وإن بدا دقيقًا – بين تدريب الموظف” و “توجيهه” وهذا الفرق قد يصنع فارقًا عظيمًا في الأداء والثقافة والنتائج.

من منظور الاستشارات الإدارية، يتضح أن القرار الصحيح لا يكمن في تفضيل أحد الخيارين، بل في تشخيص دقيق لحالة الموظف والمنظمة، ثم اختيار التدخل المناسب في الوقت المناسب. فحين نعالج الخطأ بالتقنية الخاطئة، لا يتحسن الوضع، بل يتعقّد.

 

أولًا: ما الفرق بين التدريب والتوجيه؟

  • التدريب هو تزويد الموظف بمهارة أو معرفة جديدة تمكّنه من أداء مهام محددة.
  • التوجيه هو عملية دعم شخصي ومهني تهدف إلى رفع الوعي، تطوير السلوك، وتحفيز المبادرة الذاتية.

ببساطة، التدريب يملأ الفجوة المهارية، أما التوجيه فيعيد ضبط البوصلة الذهنية والسلوكية.

مثال توضيحي: موظف يفتقر لمهارات Excel يحتاج تدريبًا. لكن موظفًا يتأخر دائمًا عن مواعيده أو يعاني من ضعف الدافعية، فلن تُجدي معه دورة تدريبية، بل يحتاج إلى جلسة توجيه.

 

ثانيًا: متى يحتاج الموظف تدريبًا؟

من خلال خبرة الاستشارات الإدارية في إعادة هيكلة الموارد البشرية وتطوير الأداء، يتضح أن التدريب يكون هو الخيار الأنسب عندما:

  • توجد فجوة واضحة في المعرفة أو المهارات الفنية.
  • يُطلب من الموظف أداء مهمة جديدة لم يتدرب عليها مسبقًا.
  • تظهر الحاجة إلى الامتثال لتغييرات تنظيمية أو تقنية.
  • يكون الهدف بناء كفاءة جماعية موحدة بين فرق العمل.

لكن – وهنا الدقة – حتى التدريب الجيد يفشل إن لم يكن مرتبطًا بسياق عمل الموظف وواقعه اليومي. فكم من دورة أُقيمت بلا أثر، لأنها لم تُبنى على حاجة فعلية أو لم تُدمج ضمن خطة التطوير الوظيفي.

 

ثالثًا: متى يكون التوجيه هو الأجدى؟

التوجيه يكون أكثر فاعلية عندما تكون المشكلة سلوكية أو نفسية أو مرتبطة بالتحفيز والانضباط. ومن أبرز الحالات:

  • انخفاض الحافزية رغم توفر المهارات.
  • الصراع الداخلي أو ضعف إدارة الوقت.
  • الغموض في الأهداف الشخصية أو المهنية.
  • القلق من تحمل المسؤولية أو اتخاذ القرار.
  • التردد في التغيير أو مقاومة التطوير.

في هذه الحالات، الجلوس مع الموظف في حوار مهني، يصاحبه أسئلة موجهة، واستماع نشط، وتفكير مشترك، يكون أكثر فائدة من أي تدريب نظري.

الاستشارات الإدارية تساعد المؤسسات على بناء برامج توجيه داخلي (Coaching)، سواء عبر قادة مدربين أو مختصين خارجيين، لتحقيق أثر أكثر عمقًا واستدامة.

 

رابعًا: لماذا يفشل كثير من برامج التدريب؟

تشير الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من محتوى التدريب لا يُطبق فعليًا في بيئة العمل. من الأسباب:

  • غياب ربط مباشر بين التدريب والأداء الفعلي.
  • عدم متابعة التطبيق بعد التدريب.
  • تقديم التدريب كحل تلقائي لأي مشكلة دون تشخيص.
  • تجاهل الأبعاد النفسية والسلوكية التي تعيق الأداء.

هنا يظهر دور الاستشارات الإدارية في بناء نظام تقييم احترافي للاحتياجات التدريبية، يُفرق بين ما يُحل بالتدريب، وما يُعالج بالتوجيه أو إعادة توزيع الأدوار.

 

خامسًا: التوازن الذكي بين التدريب والتوجيه

القيادة الذكية لا تختار بين التدريب أو التوجيه بشكل مطلق، بل تعمل وفق النموذج التالي:

  1. التشخيص: ما نوع الفجوة؟ (مهارية أم سلوكية؟).
  2. التخطيط: هل نحتاج جلسة توجيه فردية؟ أم تدريب جماعي؟
  3. التنفيذ: بما يتناسب مع ثقافة المنظمة وخصائص الموظف.
  4. المتابعة: هل تحسن الأداء؟ وهل تغير السلوك؟

وقد أثبتت خبرات الاستشارات الإدارية أن دمج التدريب بالتوجيه يخلق تحولًا حقيقيًا:

  • تدريب لبناء المهارة.
  • توجيه لتثبيت التطبيق وتجاوز المعوّقات.

 

التشخيص أولًا، ثم الحل

ليس كل انخفاض في الأداء يستدعي تدريبًا.
وليس كل تقصير يعالَج بالتوجيه.
الفرق بين الاثنين يصنع الفرق بين الإنفاق والتأثير، وبين التكرار والتطور.

ومع دعمٍ متخصص من الاستشارات الإدارية، تستطيع المنظمات بناء أنظمة تطوير ذكية تضع كل موظف في المسار الذي يحتاجه، لا المسار العام للجميع.

ففي نهاية المطاف، الموظفون لا يحتاجون دائمًا إلى مزيد من المعلومات، بل إلى من ينظر إليهم كأشخاص قبل أن يكونوا أرقامًا، ويعطيهم ما يُمكّنهم لا ما يُثقلهم.