في الجيولوجيا، يكشف التنقيب في طبقات الأرض عن تاريخ طويل، مليء بالترسبات والمعادن النفيسة التي تراكمت عبر قرون. وبالمثل، تمتلك الشركات طبقات تنظيمية وثقافية تراكمت عبر سنوات من القرارات، والسياسات، والتجارب، والقصص غير المروية. داخل هذه الطبقات، غالبًا ما توجد “معادن ثمينة“ من القيم، والمعارف، والممارسات التي يمكن أن تصبح أساسًا لنهضة جديدة إذا أُعيد اكتشافها.
فهم الطبقات التنظيمية
كل منظمة تمر بمراحل نمو وتغيرات تراكمت في ثقافتها، تشبه طبقات الأرض. بعض هذه الطبقات إيجابي ويدعم الابتكار، والبعض الآخر قد يكون رواسب من مقاومة التغيير أو ممارسات لم تعد ملائمة.
من منظور الاستشارات الإدارية، فإن فهم هذه الطبقات ليس رفاهية، بل أداة تشخيص أساسية لمعرفة ما الذي يجب الحفاظ عليه، وما الذي يحتاج إلى إعادة صياغة أو إزالة.
خطوات التنقيب الإداري عن الذهب الثقافي
- تحليل الجذور
ابدأ برسم خريطة تاريخية للقرارات والأنظمة التي شكلت بيئة العمل الحالية. هذا التحليل يكشف عن القيم الأساسية التي ما زالت صالحة، وأخرى فقدت ارتباطها بالواقع. - كشف الرواسب المخفية
في بعض الأحيان، تعيق ثقافة غير معلنة – مثل الخوف من المخاطرة أو الولاء الأعمى لأساليب قديمة – قدرة الفريق على الابتكار. هنا، يعمل المستشار الإداري على إظهار هذه الرواسب للسطح ومعالجتها بوعي. - تحديد المعادن النفيسة
تمامًا كما يبحث الجيولوجي عن الذهب أو الألماس، يبحث المستشار عن عناصر الثقافة الإيجابية: روح التعاون، المهارات النادرة، أو القصص الملهمة التي تُحفّز الفريق. - إعادة استثمار الموارد المكتشفة
بعد تحديد ما هو ثمين، يجب تحويله إلى ميزة تنافسية، سواء من خلال تعزيز برامج التدريب، أو إدماج هذه القيم في خطط التوسع، أو جعلها محورًا للهوية المؤسسية.
منظور الاستشارات الإدارية: ما وراء التحليل السطحي
الاستشارات الإدارية تنظر إلى الثقافة التنظيمية كمنجم حي، حيث لا يكفي تقييم المظاهر – مثل شعارات القيم أو دليل الموظف – بل يجب الغوص في التفاعلات اليومية، وأنماط القيادة، والسلوكيات الفعلية.
في هذا “التنقيب”، يُستخدم مزيج من الأدوات: مقابلات معمقة، استطلاعات ثقافية، مراقبة ميدانية، وتحليل بيانات الأداء.
الذهب الحقيقي: توافق القيم والعمل
أعظم ما يمكن استخراجه من ثقافة الشركة هو التوافق بين ما تؤمن به المؤسسة وما تفعله فعليًا. حين تتطابق القيم المعلنة مع السلوك اليومي، يتولد رنين إيجابي بين الإدارة والموظفين والعملاء، مما يعزز الولاء ويحفّز الإبداع.
الخاتمة: التنقيب لا ينتهي
كما أن الجيولوجيين يكتشفون طبقات جديدة كلما تعمقوا، فإن فهم الثقافة التنظيمية عملية مستمرة، تتطلب صبرًا وحسًا تحليليًا واستعدادًا لإعادة البناء.
الشركات التي تملك شجاعة الحفر في ماضيها، ومعالجة رواسبها، واستثمار ذهبها الثقافي، تضمن لنفسها أرضية صلبة للنمو وعمقًا تاريخيًا يمنحها هوية متفردة وسط سوق متغير.