ظاهرة الهوية المؤقتة: عندما ينسى الموظف من هو مهنياً بعد الإجازة

في بيئة العمل الحديثة، باتت الإجازة السنوية أو الأسبوعية أكثر من مجرد استراحة، إنها تحوّل مؤقت في هوية الموظف. كثيرون يعودون بعد العطلة وكأنهم فقدوا “إيقاعهم المهني”، ينسون أولوياتهم، أو يشعرون بانفصال بين شخصياتهم داخل وخارج العمل. هذه الظاهرة التي يمكن أن نسميها الهوية المؤقتة تستحق التأمل، لأنها تعكس علاقة الموظف بعمله، وحدود التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية.

 

بين الانفصال الصحي والانفصال المفرط

القدرة على “فصل” الذات عن العمل أثناء الإجازة أمر صحي، بل ضروري لتجديد الطاقة العقلية والنفسية. لكن عندما يتحول هذا الفصل إلى انفصال مفرط، بحيث ينسى الموظف تفاصيل مهامه الأساسية أو يجد صعوبة في إعادة الاندماج، فهنا يظهر خلل في إدارة الهوية المهنية. من منظور الاستشارات الإدارية، هذه الظاهرة تكشف عن ثغرات في أنظمة العمل التي تعتمد كلياً على ذاكرة الأفراد بدلاً من أنظمة مؤسسية تضمن الاستمرارية.

 

قراءة استشارية للظاهرة

الاستشارات الإدارية تنظر إلى هذه الحالة كعلامة على ضعف إدارة المعرفة داخل المؤسسات. فالموظف الذي يعود من الإجازة مرتبكاً غالباً لم يجد وثائق واضحة، إجراءات متينة، أو بيئة تنظيمية تساعده على “استعادة الإيقاع”. لذلك، الحل لا يكمن في لوم الموظف، بل في بناء آليات مؤسسية تجعل الهوية المهنية أكثر استقراراً، حتى عند الانقطاع.

 

حلول عملية من خبرة الاستشارات

  1. تثبيت الهوية المهنية بالأنظمة: وجود كتيبات إجرائية، أدلة عمل، وقواعد بيانات يسهل الوصول إليها، يحمي الموظف من فقدان الاتجاه بعد العودة.
  2. جلسات إعادة الانخراط: تخصيص ساعة أو ورشة عمل قصيرة بعد العطلة لمراجعة المهام والأولويات، يسرّع استعادة الهوية.
  3. مرونة الهياكل التنظيمية: عندما يكون الفريق مدرَّباً على تغطية أدوار بعضه البعض، تقل خطورة فقدان الموظف لهويته المؤقتة، لأن العمل يسير بانتظام.
  4. تطوير ثقافة التوازن: المؤسسات التي تشجع على رؤية العمل كجزء من الهوية، لا كلّ الهوية، تساعد موظفيها على التنقل بسلاسة بين العطلة والعودة.

 

الخلاصة

ظاهرة الهوية المؤقتة ليست مجرد سلوك فردي، بل انعكاس لطريقة إدارة المؤسسات لهويتها الداخلية. الموظف الذي “ينسى نفسه مهنياً” بعد الإجازة يذكّرنا بأهمية بناء أنظمة، وثقافات، وآليات تُمكّن العمل من الاستمرار دون أن يكون رهينة لذاكرة فرد. ومن هنا تأتي قيمة الاستشارات الإدارية في صياغة استراتيجيات تجعل الهوية المهنية جزءاً ثابتاً، لا يذوب مع عطلة، ولا يختفي مع توقف مؤقت.