العدوى الإبداعية الجيلية حين لاتبقى الفكرة كما بدأت

عندما نتأمل حركة الأفكار داخل المجتمعات والمؤسسات، نجد أنها لا تسير في خط مستقيم من جيل إلى آخر، بل تنتقل مثل البذور التي تحملها الرياح إلى تربة جديدة، فتتغير في الشكل والمضمون لتناسب بيئتها. هذه الظاهرة يمكن أن نسميها بـ التلقيح المتقاطع الجيلي، حيث تتلاقى خبرات الأجيال المختلفة، فتنشأ أشكال جديدة من الإبداع لم يكن ليتخيلها أصحاب الفكرة الأولى.

 

انتقال الأفكار: من الأصل إلى التحور

الأفكار التي وُلدت في جيل ما قد تُفهم وتُطبق بشكل مختلف تمامًا في جيل آخر. ما كان يُعد ثورة تقنية في التسعينيات قد يصبح مجرد خطوة أولى في نظر جيل اليوم الرقمي. هنا لا يحدث “نسخ ولصق”، بل يحدث تحوير وإعادة تشكيل، كما لو أن الجينات الفكرية تتفاعل مع بيئة جديدة لتنتج نسخة أكثر ملاءمة للعصر.

 

منظور الاستشارات الإدارية: إدارة تدفق الحكمة

الاستشارات الإدارية بخبرتها ترى أن سر نجاح المؤسسات الحديثة يكمن في قدرتها على إدارة هذا التلقيح المتقاطع عبر:

  • منصات الحوار بين الأجيال: فتح قنوات منظمة تجمع الخبرة العميقة للجيل الأكبر مع النظرة الجريئة للجيل الأصغر.
  • تحويل الصراع إلى إبداع: بدلاً من تضارب الرؤى بين جيل يريد الاستقرار وجيل يطلب التغيير، يُعاد تصميم النقاش ليُصبح مختبرًا للأفكار المشتركة.
  • حفظ الذاكرة المؤسسية: توثيق الدروس المستفادة كي لا تُفقد الخبرة السابقة في دوامة التغيير.
  • تمكين الجيل الجديد من إعادة التفسير: إعطاؤه حرية تشكيل الفكرة بما يتوافق مع أدواته وسياقه دون إلزامه بقالب الماضي.

التحور كقيمة مضافة

غالبًا ما تخشى المؤسسات من “تحوير الفكرة” عند انتقالها، لكن الواقع يُظهر أن التحور هو ما يمنحها الحياة. الفكرة الجامدة تموت مع أصحابها، أما الفكرة القابلة للتطور فتنمو عبر الأجيال، وتكتسب مع كل انتقال بعدًا جديدًا.

دروس عملية للمؤسسات

تطبيق نظرية “التلقيح المتقاطع الجيلي” في بيئات العمل يعني بناء نظام بيئي للأفكار يشبه الحديقة متعددة الألوان: جذور عميقة من الحكمة، وأغصان مرنة تتمايل مع رياح التغيير. وهذا يتطلب تصميم برامج للتوجيه العكسي (Reverse Mentoring)، وتبادل الخبرات، وإشراك الأجيال في فرق عمل مشتركة حيث تُختبر الأفكار وتُعاد صياغتها في ضوء تحديات اليوم.

 

الأفكار المبتكرة ليست ملكًا لجيل بعينه، بل هي كائنات حية تنتقل وتتحور عبر الزمن. إن تبنّي نظرية التلقيح المتقاطع الجيلي يتيح للمؤسسات أن ترى في انتقال الأفكار فرصة للنمو، لا تهديدًا للهوية. وهنا يأتي دور الاستشارات الإدارية لتكون الجسر الذي يضمن أن يتحول الاختلاف بين الأجيال إلى طاقة خلاقة تدفع الابتكار إلى آفاق أبعد مما توقعه أي جيل منفرد.